يواجه مختلف بلاد العالم – وخاصة البلاد النامية منها – العديد من المشكلات البيئية، والتي تظهر أساسًا نتيجة للتفاعل الخاطئ للإنسان مع عناصر البيئة التي يعيش فيها، وعدم إدراكه للعلاقات المتبادلة بين هذه العناصر، ولذلك فإن معظم المشكلات البيئية يمكن المساهمة في حلها عن طريق تعديل سلوك الأفراد تجاه البيئة، ومن هنا تأتي أهمية التربية البيئية في تعديل هذا السلوك بما يساهم في صيانة البيئة والمحافظة عليها وتنمية مواردها.
وعلى الرغم من أهمية ما يصدر من قرارات وقوانين تتعلق بالحفاظ على البيئة وحمايتها، فإنها لا تكفي وحدها لخلق الالتزام المطلوب لدى الأفراد تجاه البيئة، وذلك لأنها قضية تربوية في المقام الأول تتطلب من الأفراد احترام القوانين بوازع داخلي وبرغبة منهم. ولعل هذا يبين أن هناك حاجة ماسة للاهتمام بالتربية البيئية للأفراد بصفة عامة والأطفال منهم بصفة خاصة؛ من أجل إعداد الإنسان المتفهم لبيئته والمدرك لظروفها، والواعي بما يواجهها من مشكلات، وما يتهددها من أخطار. والقادر على المساهمة الإيجابية في حل هذه المشكلات، بل وفي تحسين ظروف البيئة على نحو أفضل، والذي لديه الدافع إلى القيام بذلك عن رغبة منه وطواعية، لا عن قسر أو إكراه.
وتكمن أهمية التربية البيئية في أنها العملية التعليمية التي تهدف إلى تنمية وعي الطفل بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها، وتزويده بالمعرفة والمهارات والاتجاهات، وتحمل المسئولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات البيئية المعاصرة، والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة، فالطفل الذي تعود أن يسلك سلوكيات رشيدة تجاه البيئة سيكون أكثر قابلية لصيانتها والحفاظ عليها في مراحل عمره التالية، إذ أن خبراته السابقة تؤثر في سلوكه في مراحل تربيته التالية، وعلى العكس من ذلك الطفل الذي تعود أن يسلك سلوكيات خاطئة أو مريضة تجاه البيئة سيكون أكثر قابلية للعدوان ع ليها في مراحل عمره التالية، ومن هنا فإن مسألة تربية الطفل تربية بيئية لا ينبغي أن تترك للصدفة أو العفوية، ولكنها لا بد أن تكون مخططة، وبشكل مستهدف ومقصود؛ حتى يمكن التوصل إلى نواتج تعلّم جيدة تحقق سلوكيات إيجابية تجاه البيئة.
والتربية البيئية عملية مستمرة مدى الحياة، تبدأ مع الطفل في الأسرة، حيث يغرس الوالدان الأخلاقيات وآداب السلوك وبذور الاتجاهات التي تتكون في الأسرة تجاه البيئة، كما تستطيع معلمات رياض الأطفال تنمية وعي أطفالهن بموضوعات البيئة من خلال مواقف حقيقية يعيشها الأطفال، ثم يتعمق هذا الوعي، وتقوى هذه الاتجاهات في المراحل الدراسية المختلفة، غير أن البدء بالتربية البيئية ي مرحلة ما قبل المدرسة يشكل أهمية كبيرة؛ وذلك لطبيعة هذه المرحلة، حيث يكون الطفل سهل التشكيل ولديه القدرة على الاستجابة للمفاهيم الجمالية لكل ما يحيط به من نبات وحيوان؛ مما يؤثر على سلوكه نحو البيئة في المستقبل.
ونظرًا لأهمية التربية البيئية في الحفاظ على البيئة وحمايتها؛ عُقِد لها عديد من الندوات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، منها الندوة العربية للتربية البيئية بالكويت، التي عُقِدت في عام 1976؛ وذلك من أجل وضع إستراتيجية عربية للتربية البيئية، كان من أهم محاورها إمداد الموطنين في جميع الأعمار وعلى مختلف المستويات بالقدر المناسب من التربية البيئية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ونشاط الجمعيات المعنية، كما عُقد المؤتمر الدولي للتربية البيئية في تبليسي (جمهورية جورجيا السوفيتية) عام 1977 والذي أوصى بغرس أنماط فعالة من السلوك تجاه البيئة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ككل، وأن تكون التربية البيئية عملية مستديمة تبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة وفي جميع مراحل التعليم النظامي وغير النظامي، وتعمل على توعية الصغار والكبار بمشكلات البيئة والتدابير الرئيسية الجاري أو المزمع اتخاذها، والتي تنقذ الجنس البشري من ويلات الممارسات الخاطئة للإنسان.
مفهوم التربية البيئية وأهدافها:
التربية البيئية هي كل نشاط تعليمي يتخذ من البيئة التي يعيش فيها الطفل معملاً يمارس فيه نشاطه في الكشف والارتياد والزيارة والتجوال والمشاهدة والتساؤل وتحصيل المعرفة من مصادرها الأصلية، الأمر الذي يساعده على تكوين الاتجاهات والمهارات والمدركات في تعامله مع البيئة، فيحرص على حسن استغلال مواردها وصيانة إمكاناتها، وتجنب أي إهدار أو إفساد أو استنزاف لثرواتها، والمشاركة الإيجابية في حل مشكلاتها.
والتربية البيئية هي تربية عن البيئة تتم في البيئة ومن أجل البيئة؛ وذلك لتحقيق التفاعل الناجح بين الطفل والبيئة لحسن استثمارها والمحافظة عليها وتطويرها فهي تربية عن البيئة، حيث تقوم على عمليات التفاعل بين الطفل ومكونات البيئة وتكاملها في منظومة بيئية، كما أنها تربية في البيئة، حيث تكون البيئة مصدرًا للمعرفة، والتي من خلالها يتكون المجال الإدراكي للطفل، وهي أيضًا تربية من أجل البيئة، حيث تقوم على غرس المفاهيم والقيم في تعامل الطفل مع البيئة التي يعيش فيها.
وانطلاقًا من هذا المفهوم فإن التربية البيئية لطفل ما قبل المدرسة تهدف إلى غرس الوعي لدى الطفل بالبيئة ومشكلاتها، وإكسابه المعلومات البيئية المناسبة لإدراك أهمية المحافظة على البيئة وحسن استثمارها، وتكوين الاتجاهات البيئية المرغوبة، والمهارات اللازمة للإسهام في مواجهة مشكلات البيئية بما يتفق ومستوى نموه. وقد حدد المؤتمر الدولي للتربية البيئية (الذي عُقد في تبليسي) عام 1977 الأهداف العامة للتربية البيئية، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها على النحو التالي:
الوعي: ويتمثل في مساعدة الأطفال على اكتساب الوعي والحس المرهف بمكونات البيئة التي يعيشون فيها والمشكلات المرتبطة بها.
المعرفة: وتتم من خلال إتاحة الفرص التعليمية للأطفال لاكتساب خبرات متنوعة، والتزود بفهم أساسي عن البيئة التي يعيشون فيها ومشكلاتها.
الاتجاهات: وتتمثل في اكتساب الأطفال مجموعة من الاتجاهات والقيم التي تحفزهم على الاهتمام بالبيئة، وتدفعهم للمشاركة الإيجابية؛ لحمايتها والمحافظة عليها وتحسينها.
المهارات: وتتركز في مساعدة الأطفال على اكتساب مهارات التفكير في المشكلات التي تواجه البيئة التي يعيشون فيها وعلاجها.
المشاركة النشطة: وتتم من خلال إتاحة الفرصة للأطفال للقيام بدور إيجابي في حل المشكلات البيئية ذات التأثير على حياتهم ومستقبلهم، والتي تطلب تضافر الجهود لمواجهتها.
أساليب التربية البيئية لطفل ما قبل المدرسة:
هناك عدة أساليب تساهم في تحقيق أهداف التربية البيئية، لعل من أهمها ما يأتي:
أن يكون الآباء ومعلمات رياض الأطفال قدوة في السلوك والتعامل الرشيد مع عناصر ومكونات البيئة، ومن أمثلتها تجنب الاستعمال السيئ للمياه، وخصوصًا في مناطق صنابير المياه المخصصة للخدمة العامة، ومنع إهدار المياه وترشيد استهلاكها، كالتأكيد على إغلاق الصنابير بعد استعمالها، وتنبيه الأطفال إلى ذلك، والعناية بالطابع الجمالي للبيئة، مثل لاهتمام بنظافة المنزل ودور الحضانة والحدائق والشوارع والطرقات؛ حتى تكون مثالاً أمام الأطفال، وامتناع الآباء عن التدخين في الأماكن المغلقة وغيرها من الممارسات الخاطئة الأخرى. ويتطلب ذلك عقد لقاءات دورية للآباء ومعلمات رياض الأطفال مع بعض القيادات التربوية؛ لمناقشة سلوكيات الكبار، والتي تنتقل إلى الأطفال عن طريق التقليد والمحاكاة، وتدارس سلوكيات الأطفال والطرق المثلى لتعديلها، وعلاج ما قد يشوبها من قصور أو أخطاء تجاه البيئة، فالتربية البيئية ليست قاصرة على الأطفال فقط، وإنما ينبغي أن تبدأ أيضًا بالكبار، خاصة وأنهم هم الذين يتخذون كل القرارات الخاصة بالإنتاج والاستهلاك واستغلال الموارد.... الخ، وإهمال التربية البيئية للكبار معناه أن تظل الممارسات البيئية الخاطئة هي السائدة؛ حتى يأتي جيل واعٍ بأسلوب التعامل مع البيئة. وهذا الجيل ربما لا يأتي أيضًا؛ نظرًا لأنه يتلقى أساليب تنشئة خاطئة من الكبار.
توفير مواقف حقيقية تساعد الأطفال على الانطلاق في البيئة والحصول على المعلومات والحقائق من خلال حب الاستطلاع والرغبة في الكشف والارتياد، والاتصال المباشر وإدراك الظاهرات في إطارها الكامل ومواقعها الطبيعية، والتي تجذب انتباه الأطفال، وتؤثر في حياتهم وحياة أسرهم، وتتحكم في حاجاتهم الضرورية من مأكل وملبس ومسكن ومواصلات وترفيه. والمهم هو أن ينجح الآباء ومعلمات رياض الأطفال في إثارة اهتمام الأطفال بالبيئة ومشكلاتها، فالطفل الذي يصبح واعيًا بأهمية حماية الأشجار وبجمال الأزهار حتى تكون في بيئتها الطبيعية لن يقدم على قطفها أو إتلافها، وهذا النوع من الحساسية البيئية يأتي من خلال التفاعل الحسي للطفل مع البيئة.
استخدام أساليب غير تقليدية في غرس القيم والاتجاهات لدى الطفل تجاه البيئة بما يتناسب ومستوى إدراكه. ومن بين هذه الأساليب التصوير الدرامي، خاصة لعب الأدوار؛ لتقييم بعض الأعمال التي يقوم بها الطفل وما يواجهه من مشكلات في البيئة، واستخدام القصص ذات النهايات المفتوحة؛ لتنمية القيم البيئية ولغرس السلوك البيئي الرشيد لديه، ويتم ذلك في صورة حوار مع الطفل، حتى يصل إلى نهاية القصة وتعرُّف الدروس المستفادة منها، وتشجيعه أو مكافآته عندما يعبر عن اتجاه مرغوب فيه، مما يؤدي إلى تأصيل الاتجاهات الإيجابية تجاه البيئة. ومن أمثلة ذلك أن يضع الطفل القمامة في الموضع المخصص لها، وأن يرفع القمامة الملقاة على الأرض، وأن يغسل يديه قبل الأكل، وأن يحرص على نظافة ملابسه وأدواته عند استعمال الألوان، وأن يحترم زملائه، ويحرص على ألا يتحدث معهم بصوت مرتفع، وأن يشعر بالخطأ فيما يصدر عنه من سلوكيات غير رشيدة تجاه البيئة.
المشاركة النشطة للأطفال في تجميل البيئة التي يعيشون فيها، مثل زراعة النباتات والزهور، سواء في المنزل أو دور الحضانة، وزراعة الأشجار في الشارع؛ مما يؤدي إلى شعورهم بملكية ما شاركوا في زراعته أو ريه بالماء أو العناية به، وبأنهم جزء من البيئة المحلية؛ مما يؤكد على انتمائهم إليها، ويشجعهم على المشاركة الفعالة في مناقشة مشكلات البيئة، وعلى الآباء ومعلمات رياض الأطفال توعية الأطفال – أثناء العطلات – في الأماكن التي يتجمعون فيها بأهمية المحافظة على جمال ونظافة البيئة من حولهم، والاستمتاع بالزهور والنباتات، بدلاً من العدوان عليها وإتلافه، والمشاركة في جميع ما قد يوجد بها من الأوراق والعلب والأكياس الفارغة التي تشوه جمال المكان، ووضعها في السلال المخصصة للقمامة، ولفت نظر الأطفال للمقارنة بين جمال المكان قبل وبعد تنظيفه، وتخصيص أسبوع للبيئة يساهم فيه الأطفال بأنشطة بيئية مختلفة، مثل جمع المعلومات البيئية عن طريق المشاهدة والخروج منها بتعميمات ومبادئ عامة تتعلق بنظافة البيئة وحمايتها من التلوث.
صياغة دروس وبرامج بيئية مناسبة للأطفال مستمدة من بيئاتهم وخبراتهم، وتشتمل جوانب التعلم الثلاثة: المعرفة – المهارات – الاتجاهات وتقوم على فكرة أن البيئة نعمة من الله وإفسادها يتعارض مع شكر الله على نعمه، وأن يراعى في هذه الدروس والبرامج مستوى نضج الأطفال، وكذلك اللغة والأسلوب الذي تقدم بهما، مع الاستعانة بالصور والأفلام والرسوم الثابتة والمتحركة والأشكال التوضيحية التي تركز على السلوك البيئي الرشيد، وتدعو إلى نبذ السلوكيات الخاطئة في التعامل مع البيئة.
وعلى الرغم من أهمية ما يصدر من قرارات وقوانين تتعلق بالحفاظ على البيئة وحمايتها، فإنها لا تكفي وحدها لخلق الالتزام المطلوب لدى الأفراد تجاه البيئة، وذلك لأنها قضية تربوية في المقام الأول تتطلب من الأفراد احترام القوانين بوازع داخلي وبرغبة منهم. ولعل هذا يبين أن هناك حاجة ماسة للاهتمام بالتربية البيئية للأفراد بصفة عامة والأطفال منهم بصفة خاصة؛ من أجل إعداد الإنسان المتفهم لبيئته والمدرك لظروفها، والواعي بما يواجهها من مشكلات، وما يتهددها من أخطار. والقادر على المساهمة الإيجابية في حل هذه المشكلات، بل وفي تحسين ظروف البيئة على نحو أفضل، والذي لديه الدافع إلى القيام بذلك عن رغبة منه وطواعية، لا عن قسر أو إكراه.
وتكمن أهمية التربية البيئية في أنها العملية التعليمية التي تهدف إلى تنمية وعي الطفل بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها، وتزويده بالمعرفة والمهارات والاتجاهات، وتحمل المسئولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات البيئية المعاصرة، والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة، فالطفل الذي تعود أن يسلك سلوكيات رشيدة تجاه البيئة سيكون أكثر قابلية لصيانتها والحفاظ عليها في مراحل عمره التالية، إذ أن خبراته السابقة تؤثر في سلوكه في مراحل تربيته التالية، وعلى العكس من ذلك الطفل الذي تعود أن يسلك سلوكيات خاطئة أو مريضة تجاه البيئة سيكون أكثر قابلية للعدوان ع ليها في مراحل عمره التالية، ومن هنا فإن مسألة تربية الطفل تربية بيئية لا ينبغي أن تترك للصدفة أو العفوية، ولكنها لا بد أن تكون مخططة، وبشكل مستهدف ومقصود؛ حتى يمكن التوصل إلى نواتج تعلّم جيدة تحقق سلوكيات إيجابية تجاه البيئة.
والتربية البيئية عملية مستمرة مدى الحياة، تبدأ مع الطفل في الأسرة، حيث يغرس الوالدان الأخلاقيات وآداب السلوك وبذور الاتجاهات التي تتكون في الأسرة تجاه البيئة، كما تستطيع معلمات رياض الأطفال تنمية وعي أطفالهن بموضوعات البيئة من خلال مواقف حقيقية يعيشها الأطفال، ثم يتعمق هذا الوعي، وتقوى هذه الاتجاهات في المراحل الدراسية المختلفة، غير أن البدء بالتربية البيئية ي مرحلة ما قبل المدرسة يشكل أهمية كبيرة؛ وذلك لطبيعة هذه المرحلة، حيث يكون الطفل سهل التشكيل ولديه القدرة على الاستجابة للمفاهيم الجمالية لكل ما يحيط به من نبات وحيوان؛ مما يؤثر على سلوكه نحو البيئة في المستقبل.
ونظرًا لأهمية التربية البيئية في الحفاظ على البيئة وحمايتها؛ عُقِد لها عديد من الندوات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، منها الندوة العربية للتربية البيئية بالكويت، التي عُقِدت في عام 1976؛ وذلك من أجل وضع إستراتيجية عربية للتربية البيئية، كان من أهم محاورها إمداد الموطنين في جميع الأعمار وعلى مختلف المستويات بالقدر المناسب من التربية البيئية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ونشاط الجمعيات المعنية، كما عُقد المؤتمر الدولي للتربية البيئية في تبليسي (جمهورية جورجيا السوفيتية) عام 1977 والذي أوصى بغرس أنماط فعالة من السلوك تجاه البيئة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ككل، وأن تكون التربية البيئية عملية مستديمة تبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة وفي جميع مراحل التعليم النظامي وغير النظامي، وتعمل على توعية الصغار والكبار بمشكلات البيئة والتدابير الرئيسية الجاري أو المزمع اتخاذها، والتي تنقذ الجنس البشري من ويلات الممارسات الخاطئة للإنسان.
مفهوم التربية البيئية وأهدافها:
التربية البيئية هي كل نشاط تعليمي يتخذ من البيئة التي يعيش فيها الطفل معملاً يمارس فيه نشاطه في الكشف والارتياد والزيارة والتجوال والمشاهدة والتساؤل وتحصيل المعرفة من مصادرها الأصلية، الأمر الذي يساعده على تكوين الاتجاهات والمهارات والمدركات في تعامله مع البيئة، فيحرص على حسن استغلال مواردها وصيانة إمكاناتها، وتجنب أي إهدار أو إفساد أو استنزاف لثرواتها، والمشاركة الإيجابية في حل مشكلاتها.
والتربية البيئية هي تربية عن البيئة تتم في البيئة ومن أجل البيئة؛ وذلك لتحقيق التفاعل الناجح بين الطفل والبيئة لحسن استثمارها والمحافظة عليها وتطويرها فهي تربية عن البيئة، حيث تقوم على عمليات التفاعل بين الطفل ومكونات البيئة وتكاملها في منظومة بيئية، كما أنها تربية في البيئة، حيث تكون البيئة مصدرًا للمعرفة، والتي من خلالها يتكون المجال الإدراكي للطفل، وهي أيضًا تربية من أجل البيئة، حيث تقوم على غرس المفاهيم والقيم في تعامل الطفل مع البيئة التي يعيش فيها.
وانطلاقًا من هذا المفهوم فإن التربية البيئية لطفل ما قبل المدرسة تهدف إلى غرس الوعي لدى الطفل بالبيئة ومشكلاتها، وإكسابه المعلومات البيئية المناسبة لإدراك أهمية المحافظة على البيئة وحسن استثمارها، وتكوين الاتجاهات البيئية المرغوبة، والمهارات اللازمة للإسهام في مواجهة مشكلات البيئية بما يتفق ومستوى نموه. وقد حدد المؤتمر الدولي للتربية البيئية (الذي عُقد في تبليسي) عام 1977 الأهداف العامة للتربية البيئية، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها على النحو التالي:
الوعي: ويتمثل في مساعدة الأطفال على اكتساب الوعي والحس المرهف بمكونات البيئة التي يعيشون فيها والمشكلات المرتبطة بها.
المعرفة: وتتم من خلال إتاحة الفرص التعليمية للأطفال لاكتساب خبرات متنوعة، والتزود بفهم أساسي عن البيئة التي يعيشون فيها ومشكلاتها.
الاتجاهات: وتتمثل في اكتساب الأطفال مجموعة من الاتجاهات والقيم التي تحفزهم على الاهتمام بالبيئة، وتدفعهم للمشاركة الإيجابية؛ لحمايتها والمحافظة عليها وتحسينها.
المهارات: وتتركز في مساعدة الأطفال على اكتساب مهارات التفكير في المشكلات التي تواجه البيئة التي يعيشون فيها وعلاجها.
المشاركة النشطة: وتتم من خلال إتاحة الفرصة للأطفال للقيام بدور إيجابي في حل المشكلات البيئية ذات التأثير على حياتهم ومستقبلهم، والتي تطلب تضافر الجهود لمواجهتها.
أساليب التربية البيئية لطفل ما قبل المدرسة:
هناك عدة أساليب تساهم في تحقيق أهداف التربية البيئية، لعل من أهمها ما يأتي:
أن يكون الآباء ومعلمات رياض الأطفال قدوة في السلوك والتعامل الرشيد مع عناصر ومكونات البيئة، ومن أمثلتها تجنب الاستعمال السيئ للمياه، وخصوصًا في مناطق صنابير المياه المخصصة للخدمة العامة، ومنع إهدار المياه وترشيد استهلاكها، كالتأكيد على إغلاق الصنابير بعد استعمالها، وتنبيه الأطفال إلى ذلك، والعناية بالطابع الجمالي للبيئة، مثل لاهتمام بنظافة المنزل ودور الحضانة والحدائق والشوارع والطرقات؛ حتى تكون مثالاً أمام الأطفال، وامتناع الآباء عن التدخين في الأماكن المغلقة وغيرها من الممارسات الخاطئة الأخرى. ويتطلب ذلك عقد لقاءات دورية للآباء ومعلمات رياض الأطفال مع بعض القيادات التربوية؛ لمناقشة سلوكيات الكبار، والتي تنتقل إلى الأطفال عن طريق التقليد والمحاكاة، وتدارس سلوكيات الأطفال والطرق المثلى لتعديلها، وعلاج ما قد يشوبها من قصور أو أخطاء تجاه البيئة، فالتربية البيئية ليست قاصرة على الأطفال فقط، وإنما ينبغي أن تبدأ أيضًا بالكبار، خاصة وأنهم هم الذين يتخذون كل القرارات الخاصة بالإنتاج والاستهلاك واستغلال الموارد.... الخ، وإهمال التربية البيئية للكبار معناه أن تظل الممارسات البيئية الخاطئة هي السائدة؛ حتى يأتي جيل واعٍ بأسلوب التعامل مع البيئة. وهذا الجيل ربما لا يأتي أيضًا؛ نظرًا لأنه يتلقى أساليب تنشئة خاطئة من الكبار.
توفير مواقف حقيقية تساعد الأطفال على الانطلاق في البيئة والحصول على المعلومات والحقائق من خلال حب الاستطلاع والرغبة في الكشف والارتياد، والاتصال المباشر وإدراك الظاهرات في إطارها الكامل ومواقعها الطبيعية، والتي تجذب انتباه الأطفال، وتؤثر في حياتهم وحياة أسرهم، وتتحكم في حاجاتهم الضرورية من مأكل وملبس ومسكن ومواصلات وترفيه. والمهم هو أن ينجح الآباء ومعلمات رياض الأطفال في إثارة اهتمام الأطفال بالبيئة ومشكلاتها، فالطفل الذي يصبح واعيًا بأهمية حماية الأشجار وبجمال الأزهار حتى تكون في بيئتها الطبيعية لن يقدم على قطفها أو إتلافها، وهذا النوع من الحساسية البيئية يأتي من خلال التفاعل الحسي للطفل مع البيئة.
استخدام أساليب غير تقليدية في غرس القيم والاتجاهات لدى الطفل تجاه البيئة بما يتناسب ومستوى إدراكه. ومن بين هذه الأساليب التصوير الدرامي، خاصة لعب الأدوار؛ لتقييم بعض الأعمال التي يقوم بها الطفل وما يواجهه من مشكلات في البيئة، واستخدام القصص ذات النهايات المفتوحة؛ لتنمية القيم البيئية ولغرس السلوك البيئي الرشيد لديه، ويتم ذلك في صورة حوار مع الطفل، حتى يصل إلى نهاية القصة وتعرُّف الدروس المستفادة منها، وتشجيعه أو مكافآته عندما يعبر عن اتجاه مرغوب فيه، مما يؤدي إلى تأصيل الاتجاهات الإيجابية تجاه البيئة. ومن أمثلة ذلك أن يضع الطفل القمامة في الموضع المخصص لها، وأن يرفع القمامة الملقاة على الأرض، وأن يغسل يديه قبل الأكل، وأن يحرص على نظافة ملابسه وأدواته عند استعمال الألوان، وأن يحترم زملائه، ويحرص على ألا يتحدث معهم بصوت مرتفع، وأن يشعر بالخطأ فيما يصدر عنه من سلوكيات غير رشيدة تجاه البيئة.
المشاركة النشطة للأطفال في تجميل البيئة التي يعيشون فيها، مثل زراعة النباتات والزهور، سواء في المنزل أو دور الحضانة، وزراعة الأشجار في الشارع؛ مما يؤدي إلى شعورهم بملكية ما شاركوا في زراعته أو ريه بالماء أو العناية به، وبأنهم جزء من البيئة المحلية؛ مما يؤكد على انتمائهم إليها، ويشجعهم على المشاركة الفعالة في مناقشة مشكلات البيئة، وعلى الآباء ومعلمات رياض الأطفال توعية الأطفال – أثناء العطلات – في الأماكن التي يتجمعون فيها بأهمية المحافظة على جمال ونظافة البيئة من حولهم، والاستمتاع بالزهور والنباتات، بدلاً من العدوان عليها وإتلافه، والمشاركة في جميع ما قد يوجد بها من الأوراق والعلب والأكياس الفارغة التي تشوه جمال المكان، ووضعها في السلال المخصصة للقمامة، ولفت نظر الأطفال للمقارنة بين جمال المكان قبل وبعد تنظيفه، وتخصيص أسبوع للبيئة يساهم فيه الأطفال بأنشطة بيئية مختلفة، مثل جمع المعلومات البيئية عن طريق المشاهدة والخروج منها بتعميمات ومبادئ عامة تتعلق بنظافة البيئة وحمايتها من التلوث.
صياغة دروس وبرامج بيئية مناسبة للأطفال مستمدة من بيئاتهم وخبراتهم، وتشتمل جوانب التعلم الثلاثة: المعرفة – المهارات – الاتجاهات وتقوم على فكرة أن البيئة نعمة من الله وإفسادها يتعارض مع شكر الله على نعمه، وأن يراعى في هذه الدروس والبرامج مستوى نضج الأطفال، وكذلك اللغة والأسلوب الذي تقدم بهما، مع الاستعانة بالصور والأفلام والرسوم الثابتة والمتحركة والأشكال التوضيحية التي تركز على السلوك البيئي الرشيد، وتدعو إلى نبذ السلوكيات الخاطئة في التعامل مع البيئة.